بلفور وتصدير مشكلة اليهود إلى المنطقة العربية
عبد الستار قاسميشهد التاريخ على ما تعرض له اليهود من اضطهاد وملاحقات وإيذاء وإساءات في أوروبا. تعرض اليهود في أوروبا لكافة أشكال المعاناة من قبل الحكومات والجمهور. ولم تكن تقع مصيبة أو مأساة في بلد أوروبي إلا وتم اتهام اليهود بتسبيبها. ويشهد على ذلك حوادث عدة مدونة بالتفصيل تاريخيا مثل قضية دريفوس اليهودي الذي اتهم بمساعدة الألمان أمنيا ضد فرنسا، ومسألة قتل قيصر روسيا عام 1881.
تولدت في أوروبا كراهية شديدة لليهود، وطالما اعتدى الناس على الأحياء أو الحارات اليهودية في المدن الأوروبية الكبيرة. وكان الجمهور يتهم اليهود باستمرار بإفقار الناس والسيطرة على المال والاقتصاد. كان الجمهور يتهم اليهود بمص دماء الناس وباستخدام كافة أساليب الخداع والتضليل والكذب من أجل استغلال الموارد وإخضاع الناس. ولهذا استمر الجمهور الأوروبي في عدد من الدول مثل روسيا وبولندا وألمانيا بارتكاب مجازر ضد اليهود والتي كان يقتل فيها أعداد كبيرة. ودائما عمل الأوروبيون على محاصرة اليهود في أحيائهم والتي باتت تعرف بالجيتوهات، ومارسوا ضدهم كل أنواع القمع والعنصرية.
طبعا اليهود لم يكونوا أبرياء ايضا لأنهم دائما اعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، ونظروا إلى الآخرين نظرات دونية. وبسبب عنصريتهم استمروا باتباع سياسة الانعزال والتعامل مع الناس بفوقية. وبسبب عنصريتهم كسبوا عداوة المجتمعات التي عاشوا في أحضانها غير المريحة. لم تتوفر لدى اليهود قدرة على التعايش السلس والهادئ مع الآخرين، وأجبروا الناس على التعامل معهم بعنصرية وكراهية وحقد. وكما تُعامل تعامل.
هذه الكراهية التي ترتبت على طريقة تعامل اليهود مع الآخرين وتعامل الأوروبيين مع اليهود أدت إلى حالة عدم استقرار في المجتمعات الأوروبية. كانت تقع دائما أحداث دموية وغير دموية في مجتمعات أوروبا، وكانت تسبب توترات للحكومات ولجمهور الناس عموما. وقد تمت مناقشات كثيرة داخلية لليهود وأخرى على مستوى الدول الأوروبية حول حل مشكلة اليهود.
بادر إنكليز وفرنساويون إلى تحريض اليهود على الهجرة إلى فلسطين، الأرض المقدسة ليعيشوا هناك كحل لمشكلة أوروبا. ودعا نابوليون إلى تهجير اليهود إلى فلسطين، وحذا حذوه عدد من قادة أوروبا في حينه. أما رجال دين اليهود فتبنوا فكرة الهجرة إلى فلسطين والاستيلاء عليها، واختلفوا حتى مع الحركة الصهيونية عندما أخذت تبحث عن بديل لفلسطين.
باختصار، وجد الأوروبيون أن هجرة اليهود إلى فلسطين تشكل الحل الأمثل للمشكلة اليهودية فترتاح أوروبا من حالة عدم الاىستقرار الاجتماعي. فلم يقرر الأوروبيون دعم فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين حبا فيهم وإنما كرها لهم، وما زالت المجتمعات الأوروبية حتى الآن تحمل كراهية اليهود، ولولا القوانين الخاصة بمعاداة السامية لرأينا اتجاها قويا ضد اليهود في أوروبا.
والآن بعد بلفور أتى اتفاق أوسلو والذي جند الفلسطينيين في خدمة اليهود الذين استولوا على فلسطين الانتدابية بأكملها. وعندما ننظر إلى أوسلو فإننا نجده أشد ثقلا ووطأة على الشعب الفلسطيني من تصريح بلفور. تصريح بلفور أعطى الفلسطينيين حقوقا مدنية ودينية، لكن اتفاق أوسلو تجاوز كل الحقوق للشعب الفلسطيني. ومن ثم أتى العرب الذين استغلوا اتفاق أوسلو للتخلص من القضية الفلسطينية. أرقت القضية الفلسطينية أغلب حكام العرب ولحقت بهم هزائم عدة بسببها. فشكل أوسلو مخرجا لهم لتطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني والاستهتار بحقوق الشعب الفلسطينية.
لا نستطيع الفصل بين السياسات الفلسطينية الأوسلوية وسياسات الأنظمة العربية تجاه الكيان الصهيونية. هذه السياسات جميعها تشكل كلا متكاملا، وتعتمد التغذية المتبادلة. لكنهم أمام شرفاء الشعب الفلسطيني والأمة العربية لن ينجحوا في طي القضية الفلسطينية، وستبقى الأيدي قابضة على الجمر حتى يعود الحق لأصحابه.